الشاي المختصة : التعريف بفن تذوق أو تقييم الشاي …
إن الغوص في عمق أسرار نكهة وشذا رائحة فنجان من الشاي ومعرفة أصله ومنبته مغامرة بحق بل وربما أكثر .
ولا سبيل لمعرفة مدى جمال تعقيد ما يحويه فنجان من الشاي عال الجودة إلا بتذوقه وفقا لمقاييس تذوق أو تقييم الشاي. .
سواءا كنت صاحب مقهى تتطلع لتحسين القائمة الخاصة بك أو ببساطة عاشقا لمشروب الشاي يرغب في استكشاف ما يمر به فنجان مشروبه المفضل قبل أن يصل إليه ، فعليك أن تعلم كم هي تجربة مميزة وممتعة أن تقيّم فنجان واحد من الشاي .
ولمعرفة المزيد عن أساسيات عملية تقييم وتذوق الشاي ، استطعت الوصول الى ناثان جونستون Nathan Johnston ، خبير الشاي والقهوة وهو مختص بالشاي بالتحديد ، ومؤسس شركة كارتل روسترزالأسترالية Cartel Roasters. كان ناثان واحدا ضمن الفريق الذي عقد ورش العمل الخاصة برصد أساسيات تقييم وفرز الشاي وكذلك أحدث الطرق والنماذج في ذلك بملتقى كأس العالم للشاي والقهوة Tea & Coffee World Cup 2017الذي عقد هذا العام بسنغافورة ما بين السادس والعشرين وحتى الثامن والعشرين من شهر سبتمبر . ولذا فما من شخص قادر على أن يأخذ بأيدينا لفهم هذه العملية المعقدة سواه .
ما هو مفهوم عملية تقييم وتذوق الشاي ؟
تطلق عملية تقييم الشاي على المعايير التي يضعها خبراء هذه الصناعة لتحديد مدى جودة الشاي وخصائص نكهاته المختلفة والمتنوعة . هذه المعايير تضمن لهم بالضرورة أن يظل المنتج على المستوى المرضي للمستهلك ، وكذلك رصد النماذج عالية الجودة ذات المذاق المميز من بين العينات المختلفة .
تبدأ عملية التقييم بفحص عينات من أوراق الشاي الجافة ومن ثم نقعها وتدوين الملاحظات عن رائحة وهيكل وملمس وريقات الشاي والعديد من الخصائص الأخرى التى ستحدد بالتأكيد مدى جودة مشروبك المفضل بنهاية المطاف .
أخبرنا ناثان أيضا أن عملية التقييم تلك أكبر من كونها مهارة بل هي في واقع الأمر فن وعلم يحدد معايير ويحقق مستوى عال من الجودة لا يتم بدونها .
إنها مرحلة هامة من مراحل تصنيع وبيع الشاي ، فمع هذا الكم الهائل من النكهات و جودة نبتة الشاي كما هو الحال بالنسبة لحبيبات القهوة فإن فنجانا واحدا من الشاي قد يختلف في جودته باختلاف المزارع و المنشأ والذوق والكثير غير ذلك .
فبعضها يحمل عبق الزهور وبعضها مذاقه فاكهيّ ، وقد يحمل فنجان من الشاي تفاصيل معقدة ودقيقة لا يفصح عنها الاسم وحده .
والأكثر من ذلك ، فإن خصائص بعض النكهات قد تتغير وتتمايز بتعرضها لدرجات الحرارة المختلفة أو بمرور الزمن عليها .وعملية التقييم والفرز تمكن الخبراء من رصد مثل هذه التفاصيل وتمدهم بنظرة ثاقبة عن كيفية تطور نكهة عينة واحدة من الشاي .
كيف تنفذ عملية تقييم الشاي ؟
لعلك تقف الآن عزيزي القارئ على معنى محدد لعملية التقييم والفرز وحان الآن الوقت لمعرفة المزيد عن خطوات هذه العملية.على نقيض مشروب القهوة حيث أقرت جمعية القهوة المختصة Specialty Coffee Association ومؤسسة جودة القهوة Coffee Quality Institute كذلك بعض المبادئ التوجيهية والمعايير التي تنظم خطوات الفرز والتقييم ، لا يوجد حتى الآن نظام موحد ومعايير ثابتة لفرز وتقييم الشاي . ولكن هناك بدلا من ذلك العديد من الممارسات والخطوات المتفق عليها من قبل المختصين .
1-الفحص البصري :
لابد لعملية الفرز والتقييم أن تبدأ بالفحص والتحليل البصري للون وملمس وجودة أوراق نبتة الشاي ، فشاي كيمون الأسود الصينية على سبيل المثال تمتاز بأوراقها البنية الداكنة الملتوية . ولابد أن تكون شديدة الإلتواء بحيث يساعد ذلك في عملية سحق وتجفيف وأكسدة الأوراق .كما يكسبها التوائها لونها البني الجذاب ورائحتها المميزة ونكهتها التي لامثيل لها .
وعلى النقيض من ذلك فإن الأوراق المهترئة الشاحبة ينتج عنها بالضرورة شاي رديء المذاق والجودة وعلى الخبراء الانتباه لذلك جيدا .
2- نقع الأوراق :
يؤكد “ناثان” بشدة حول ضرورة استخدام مياه نقية مشبّعة بالأوكسجين أثناء إعداد عينة من نبتة الشاي من أجل تنقية النبتة من أي شوائب ومعادن عالقة .الأمر الذي يضمن مذاق رائق فحتى أنقى المياه العذبة تحتوي على نسبة من المعادن التي من شأنها أن تؤثر على النكهة والمذاق بشكل ملحوظ .
يقوم المختص بذلك بسكب ثمان أوقيات أو227 مل من الماء المغلي مباشرة على 2 جرام من أوراق الشاي . وحذر كذلك “ناثان” من أن تُنقع النبتة لوقت طويل إذ أن استخراجها المبكر أفضل ، لذا كان التوقيت بالغ الأهمية .
وعليك أن تنتبه جيدا لكون المستهلكين على اختلاف ثقافاتهم وأذواقهم سيتناولون شايهم بعد غليه في درجات حرارة مختلفة ونقعه لفترات زمنية متغايرة بينهم . وعلى العموم فالشاي الداكن يتم نقعه لوقت أطول في درجة حرارة عالية ، أما الشاي الأخضر والأبيض فلا يحتاج إلا لبضعة دقائق وحرارة منخفضة .
ولكن بغض النظر عن مقاييسك الخاصة في التقييم يخبرنا “ناثان” خبير الشاي أن الأهم من ذلك هو الاتساق وتوحيد هذه المقاييس الخاصة بتقييم ما قبل إعداد قدح الشاي نفسه .
3- التقييم الحسي :
الآن وبعد أن قمنا بنقع الشاي جيدا فقد حان الوقت لأكثر الخطوات متعة وإثارة ، وهي التقييم الحسي . عليك بداية أن تنتبه جيدا لشفافية وعمق لون الشاي المنقوع .فأوراق الشاي الجيدة سينتج عنها شاي غني واضح اللون ، والشفافية - المقابلة للعتامة – خاصية جيدة كذلك للتقييم .
بينما الأوراق الشاحبة المهترئة سينتج عنها مشروب خفيف غائم مائل للعتامة بنكهة غريبة .
أصبح الأمر الآن في منتهى البساطة .فلعلك قادر على تمييز ذلك من عدة فناجين شاي على الطاولة ،فبمجرد النظر ستدرك على الفور من منها يفوق الآخر جودة .و بعد أن خمنت واخترت فنجانك من بينهم, اقترب منه الآن واشتم رائحته ودون ملاحظاتك .
وأخيرا حان وقت تذوقه ، ولنضع في الحسبان مدى قوة النكهة والتي فسرها لنا “ناثان” بأنها الشعور والمذاق الذي تتركه رشفة واحدة من الشاي بفمك وإلى متى يمكن أن يدوم هذا المذاق المميز.
فالشاي “الحيوي” يوصف بأنه حاد النكهة وأي نقص فيما يوصف بالحيوية إنما يعبر في حقيقة الأمر عن نبتة شاي مهترئة متهاوية وفاقدة للنضارة .
تذكر أن تسجل ملاحظاتك وكلما قيمت المزيد كلما ازددت خبرة وأصبحت معايير تقييمك أكثر دقة .
إن عالم الشاي عالم واسع جدا ، فمن شاي رائق برائحة وطعم الزهور لآخر حاد المذاق . هنالك العديد من النكهات المميزة لمختلف الأنواع التي تنتظر استكشافك لها . وما من طريقة أفضل لاستكشافها سوى عملية الفرز والتقييم من بدايتها أو مايسميه العالم الآن بـ Tea Cupping .