لا يتوقف أفضل محمّصي القهوة عن التعلّم مطلقاً. قد تبدو هذه العبارة مبتذلة لكنها حقيقية. بدءاً من استعمال آلات مختلفة وصولاً إلى تحميص كميات جديدة من القهوة وتطوير أفضل المواصفات الممكنة، ينتظرنا دوماً شكل من التحديات.
ما من شعور أفضل من تذوّق القهوة التي حمّصتَها بنفسك واكتشاف النكهات والتركيبة التي نجحتَ في إنتاجها.
عندما دُعيتُ لإجراء مقابلة مع تيم ويندلبو، كنت أتوق لسماع نصائحه الست لتحسين قدرات تحميص القهوة. يُعتبر هذا الرجل من أهم الأسماء في مجال تحميص القهوة (وبما أنه فاز ببطولة “باريستا” العالمية في عام 2004، يُعتبر أيضاً من أهم الأسماء في عالم القهوة)، لذا لا يمكن أن نسأل من هو أفضل منه!
لنلقِ نظرة على نصائحه.
1. تعرّفْ على قهوتك الخضراء :
ستحتاج أحياناً إلى التراجع قليلاً. صحيح أنك قد ترغب في تعلّم طريقة التحميص، لكن قبل أن تجيد تحديد سرعة زيادة حرارة البن، يجب أن تفهم طبيعة قهوتك.
يقول تيم: "بالنسبة إليّ، يتعلق أهم عامل بتعلّم المعلومات الأساسية حول القهوة الخضراء، ما يعني رصد الشوائب ومختلف الأصول والأصناف واختبار مختلف العمليات المستعملة وسواها… ستفهم بذلك أن القهوة التي حمّصتَها قديمة إذا كانت بائتة جداً مثلاً… وإذا كنت لا تحب هذه النكهة البائتة، لا يمكنك أن تقوم بأي شيء خلال عملية التحميص لطمس تلك النكهة.
“لا يمكنك أن تُحوّل القهوة البائتة والقديمة والعفنة إلى تركيبة طازجة. لذا يجب أن تفهم طبيعة المقادير التي تستعملها قبل أن تبدأ التفكير بمرحلة التحميص”.
أخبرني تيم بأن تفويت هذه الخطوة يسبّب المشاكل: “الأمر أشبه بطبخ الطعام بمقادير معيّنة من دون معرفة التركيبة أو المذاق أو أي عنصر آخر من الوصفة”.
يتعلق جزء أساسي من عملية فهم القهوة الخضراء بفهم نوعية تلك القهوة: “من وجهة نظري، تقضي الخطوة الأولى باستعمال مقادير عالية الجودة. إذا كنت تملك مقادير عالية الجودة، من الأسهل أن تستعمل أي عناصر خلال التحميص… لكن لا يعني ذلك أن تتجنب تحميص القهوة السيئة. يمكنك أن تتعلم الكثير من تحميص القهوة الرديئة، لكنك لا تستطيع أن تُحوّل القهوة السيئة إلى قهوة جيدة. ستخدع نفسك إذا فكّرتَ بهذه الطريقة”.
بعبارة أخرى، يجب أن تدرس القهوة كي تبرع في تحميصها وتُحسّن مهاراتك في هذا المجال. حلّل اختلافات البن الأخضر ونوعية ذلك البن وافهم أن أنواع البن تحمل كثافة متفاوتة وتعرّف على ما يجعلها تتفاعل بطرق مختلفة مع الحرارة وحدّد انعكاسات هذه الجوانب كلها على النكهة. لا يمكنك أن تتلاعب بتلك النكهة ما لم تقم بذلك.
2. تعلّمْ كيفية تذوق القهوة :
أخبرني تيم بأن إجادة تحميص القهوة تستلزم إجادة تذوّقها. لذا يوصي هذا الأخير المبتدئين في مجال التحميص بتحسين هذه المهارة.
“يعني ذلك حضور الصفوف الأساسية ودرس التحليلات الحسّية والمشاركة في حصص تقييم نوعية القهوة. تكون هذه العوامل مفيدة جداً لتطوير حاسة الذوق، ما يجعلك قادراً على فهم مختلف جوانب القهوة الخضراء وطبيعة النكهات المختلفة ومصدرها”.
سيسمح لك حضور تلك الحصص بتحسين طريقة تذوق القهوة المحمّصة وتعلّم المفردات اللازمة لوصف ما تفعله. ستكون تلك المفردات مفهومة عالمياً ومستعملة من جانب القادة والمعلّمين في هذا القطاع لمناقشة مواضيع القهوة وشرح الشوائب وسواها. في النهاية كيف يمكن أن تتعلّم من الآخرين إذا كنت لا تفهم الكلمات التي تستعملها؟
يوضح تيم: “حين تتمكن من وصف ما تتذوقه، من الأسهل عليك أن تحدّد الأخطاء التي ترتكبها في أي عملية، سواء تعلّقت بالتخمير أو التحميص أو شراء منتجات صديقة للبيئة”.
3. افهَمْ مسار التخمير والاستخراج :
لا يجيد محمّصو القهوة البارعون تحديد البن الأخضر ومواصفات القهوة فحسب، بل إنهم يجيدون تخمير القهوة أيضاً.
يوضح تيم: “لا يعني ذلك ضرورة أن تفوز ببطولة “باريستا”، لكن يجب أن تفهم الخلطة التي تتذوقها في لحظة تذوّقها”.
“لنفترض أنك تستعد للتحميص لكنّ إعدادات الطحن لديك خشنة للغاية… نتيجةً لذلك، لن تستخرج كمية كافية من القهوة وسيكون مذاقها باهتاً جداً. في النهاية قد تظن أنك تحتاج إلى تحميصها بنسخة داكنة لتحسين تركيبتها”.
“يجب أن تحرص على استخراج القهوة جيداً، قبل تذوّقها، كي تتمكن من تقييم نتائج التحميص بدقة”.
4. تعرّفْ على سلسلة إمدادات القهوة :
مثلما تحتاج إلى فهم طريقة تخمير قهوتك وتذوّقها، يجب أن تفهم أيضاً كيفية إنتاجها.
يقول تيم: “يجب أن تفهم على الأقل الأسس التي تقوم عليها جميع الخطوات الفاصلة بين قطف الحبوب وشرب القهوة كي تبرع في التحميص. لا يعني ذلك بالضرورة أن تفهم تلك التفاصيل كلها، لكن يجب أن تفهم المعلومات الأساسية”.
في عام 2015، اشترى تيم شركة “فينكا إل سويلو” في هويلا، كولومبيا. سألتُه إذا كان تكثيف العمل ضمن إطار الشركة غيّره كخبير في التحميص. ففكّر لبرهة قبل أن يقول: “لا شك في أن تكثيف العمل في الشركة غيّر طريقة شرائنا للقهوة ورأينا بتسعير القهوة وإقامة علاقات طويلة الأمد. أنا أمتنع عن القيام بأمور معيّنة بينما أرغب في تنفيذ أمور أخرى وهكذا دواليك. لذا غيّر هذا العمل طريقة قيامنا بكل شيء طبعاً”.
إذا كنتَ تدير شركة، سيكون اكتساب معلومات إضافية عن سلسلة إمدادات القهوة كفيلاً بتغيير نوعية القهوة التي تختار تحميصها وطريقة تسعيرها. لا شك في أنه سيساعدك على التخطيط مسبقاً عند تصميم قائمتك الموسمية. وسيساعدك أيضاً على فهم أثر التصنيع ومستوى العلوّ والطقس بالتفصيل.
5. تجاوب مع التعليقات :
يمكنك أن تتعلّم الكثير من الكتب والحصص والمواقع الإلكترونية والمدونات الصوتية. لكن يمكنك أن تتعلّم الكثير أيضاً من الأشخاص الذين يشربون قهوتك المحمّصة.
أخبرني تيم عن أهمية تقبّل تعليقات الضيوف، سواء كانت إيجابية أو نقدية: “يجب أن تبقى منفتحاً بشأن قدراتك الخاصة وأن تتحدى تلك القدرات… ما من شخص كامل وأظن أننا نفشل جميعاً طوال الوقت، لا سيما في مجال التحميص”.
أوضح تيم أنه يتعاون مع العميل، حين يتلقى تعليقاً سلبياً، لمعرفة مدى ارتباط المشكلة بالطحن أو الاستخراج (إنه سبب آخر لتحسين عملية التخمير!) أو بضبط الجودة.
“حين تتلقى هذا النوع من التعليقات، يجب أن تتحرى عنها مع عملائك وتصغي إليها لأنك تستطيع أن تتعلم الدروس منها”. لذا كن مستعداً للتعلم ومرناً في التعامل ومتواضعاً لأن النقد يعطي فرصة للتحسن ولا يعكس أي إهانة.
تابع تيم قائلاً: “إذا أردتَ أن تحرز التقدم، يجب ألا تخشى الفشل وتعترف بأنّ ما تفعله قد لا يكون الأفضل. لذا يجب أن تعيد النظر بطرقك إذا طرح أحد أمامك بعض المعلومات أو المعارف الجديدة التي لم تسمع بها سابقاً”.
“بدل التمسك بموقفك وعدم اقتناعك بتلك المعلومات أو القيام بالعكس وتقبّلها من دون الاستفسار عنها… قد يكون هذان الموقفان خطيرين! يجب أن تختبر كل ما هو جديد دوماً وتتخذ قرارك بناءً على النتائج بدل أن تتمسك بآرائك”.
6. أقِمْ توازناً بين التكنولوجيا وحاسة الذوق :
يؤكد تيم على أهمية حاسة الذوق. لكن لا يعني ذلك أنه يبتعد عن التكنولوجيا ويفضّل أن يتكل على حاسة ذوقه دون سواها. يؤمن تيم بضرورة استعمال الأدوات الحديثة لمساعدته على تحقيق نتائج متماسكة.
قال لي: “نحن نستعمل نظام التلوين بالليزر ColorTrack لتحليل لون التحميص. لقد استعملنا هذه الطريقة لسنوات طويلة إلى جانب برنامج Cropster لتسجيل منحنيات التحميص، فضلاً عن قياس مستوى فقدان الرطوبة وجميع تلك العوامل الأخرى التي نملكها”.
“سمحت لنا تلك العوامل مجتمعةً بتقديم أداء متماسك جداً، لكن لن يكون الوثوق بتلك الأدوات كافياً. يجب أن يتمتع الفرد بحاسة ذوق دقيقة وأن يتذوّق القهوة”.
شرح تيم أن البيانات لا تعكس إلا جزءاً صغيراً من المشهد العام: “يمكنني أن أحصل على الأرقام نفسها بطرق مختلفة، لكن سيكون المذاق المترتّب عنها مختلفاً جداً. تكون هذه الآلات مجرّد أدوات يمكنك استعمالها لمساعدتك على تقديم أداء متماسك لكن يجب أن تستخدمها تزامناً مع استعمال مقاييس أخرى”.
لا يمكن أن تصبح التكنولوجيا بديلة عن مهارات المحمّصين الأساسية، لكنها قد تساعدك على التأكد من تماسك أدائك.
لا يمكن أن تنتهي رحلتنا في عالم القهوة يوماً: ما زلنا جميعاً مبتدئين ويمكن أن نكتشف دوماً معلومات إضافية عن القهوة وطريقة تحميصها. وبفضل العمل الحثيث والحرص الدائم على التعلّم، ستكون النتائج التي يمكن تحقيقها مدهشة.